أُمَّةٌ مَحرومَةٌ من النَّوم

أهمية النوم في التعليم ودعوة للعمل في هذا السياق

A Sleep Deprived Nation

تم ترجمة هذه المقالة من النص الأصلي باللغة الإنجليزية “A Sleep-Deprived Nation”.
تاريخ النشر: 29 كانون الثاني 2019
ترجمة: سلام معايعة
تدقيق ومراجعة: لارا الخطيب

إذا كان الهدف من نظامنا التعليمي يشمل الوصول إلى طلاب يتمتعون بأداءٍ عالٍ وصحة جيدة، فإنه يجب على المعلمين إعطاء الأولوية لشيء آخر إلى جانب التفوق الأكاديمي والرفاه الاجتماعي والعاطفي. علينا أن نعطي الأولوية للنوم.

فكّر في آخر مرة عانيت فيها من قلة النوم ليلاً. ربما كان السبب نباح كلب أو بكاء طفل، أو ربما شربت الكثير من القهوة في وقت متأخر من بعد الظهر. كيف شعرت في اليوم التالي؟ تشير العلوم الحديثة إلى أنه من المحتمل أنك واجهت مشكلة في التركيز، وكان لديك ردود فعل عاطفية أكثر وارتكبت العديد من الأخطاء في العمل.

خلال عرض تقديمي حديث عن دور النوم في التعليم، سألت مجموعة من الطلاب نفس السؤال: كيف تشعر بعد عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم؟ هل تشعر بأنك “مشوش، غاضب، لديك صعوبة في التركيز، جائع” – كل هذه الأمور تبدو صحيحة في ضوء البحث. لا أحد يشعر بالراحة بعد حرمان نفسه من النوم. النوم ضروري.

تعتبر سلامة الطلاب أكثر أهمية من أدائهم. تؤكد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الحرمان من النوم يؤدي إلى الاكتئاب وأمراض القلب والسمنة ومرض السكري من النوع 2. وإذا لم يكن ذلك مقلقاً بما فيه الكفاية، فاعتبر أن الحرمان من النوم مرتبط بأول سببين رئيسيين للوفاة لدى المراهقين: الحوادث (أي حوادث السيارات) والانتحار.

لا يمكن لأي قدر من القهوة أو ممارسة الرياضة أو التحدث مع النفس أن يحلّ محل فوائد النوم.

الحرمان من النوم – والمسؤولية

في استطلاع حديث، وجدنا رسالة مكتوبة مثيرة للقلق كتبتها  إحدى طالباتنا: “لا أستطيع القراءة / الكتابة / التفكير بشكل صحيح، لم أنم اكثر من خمس ساعات هذا الأسبوع.” إنها عبارة يجب على جميع التربويين الوقوف عندها حيث إن المفارقة الرهيبة للتعليم الحديث، خاصة بين الطلاب ذوي الدافعية العالية، واضحة للأسف. كانت هذه الطالبة الشابة، البالغة من العمر 14 عاماً في ذلك الوقت، تفعل كل ما في وسعها لتحقيق النجاح، دون أن تدرك أن تلك الساعات الإضافية من الدراسة كانت تحد من قدرتها على الأداء، كل ذلك مع ذكر النتائج الصحية المؤسفة المذكورة أعلاه. بإسم تعزيز الذات، يضحي الطلاب بالحفاظ على الذات.

وهذا ليس خطأهم.

أحد المخاوف هو إضفاء بريق على الحرمان من النوم من قبل خبراء المساعدة الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي. غالباَ ما يصنع المتحدثون المشهورون -والذين يُفترض أنهم ذوو نوايا حسنة- أبطالًا من أولئك الذين يميلون إلى التخلي عن النوم، ويشيرون إليهم بفخر على أنهم وحوش، ويوبخون أولئك الذين يولون الأولوية للراحة، ويصفونهم على أنهم غزلان بريئة. قد يبدو الأمر سخيفاً، لكن الناس يراقبون والطلاب سريعوا التأثر يستمعون. في أحد أشهر مقاطع الفيديو التحفيزية على الإنترنت، “ما مدى رغبتك في الحصول عليه؟؟ (النجاح)“، الذي رواه المتحدث المٌؤثر إيريك توماس وتابعه ما يقرب من 45 مليون شخص، ذكر فيه توماس بإنه” إذا كنت ستنجح، فيجب أن تكون على استعداد للتخلي عن النوم. … إذا كنت تريد حقًا أن تكون ناجحًا ، فإنك سوف تضطر في بعض الأيام إلى البقاء مستيقظاً لمدة ثلاثة أيام متتالية، لأنه إذا نمت، فقد تفوتك فرصة النجاح”. هذه تعتبر رسالة خطيرة.

للأسف، هذا الأمر لا ينتهي بالثقافة الشعبية.

المؤسسات التعليمية ترسل كذلك رسالة مماثلة؛ حيث أن إيقاعات الساعة البيولوجية للمراهقين تفرض عليهم صعوبة في الذهاب إلى النوم قبل الساعة 11 مساءً، ويبقون في ما أشارت إليه المؤسسة الوطنية للنوم على أنه “تراجع” يومي في إيقاع الساعة البيولوجية حتى الساعة 7 صباحاً أو بعد ذلك. توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ومركز السيطرة على الأمراض أن لا تبدأ أوقات الدراسة قبل الساعة 8:30 صباحاً. المدارس لا تستمع حيث أن متوسط ​​وقت بدء المدرسة في الولايات المتحدة هو 8:03 صباحًا.

بإسم تعزيز الذات، يضحي الطلاب بالحفاظ على الذات. وهذا ليس خطأهم.

والأسوأ من ذلك، أن العديد من المؤسسات تقدم دروساً تبدأ قبل موعد بدء اليوم الدراسي العادي. في كثير من الأحيان، يتحمل الطلاب المتحمسون العبء الأكبر. إذا بدأت هذه الفصول الإضافية مثلاً في الساعة 7:15 صباحاً، فإن إتاحة الوقت للطالب للاستحمام وارتداء الملابس والتنقل سيتطلب منه الاستيقاظ في حدود الساعة السادسة أو السادسة والنصف صباحاً. وقد يجد الطلاب في المدن الذين يستخدمون وسائل النقل العام أنفسهم ملزمين على الاستيقاظ في الساعة 5:30 صباحاً أو قبل ذلك. هذه ليست استراتيجية للنجاح، ولم تكن دائماً على هذا النحو.

الحرمان من النوم هو وباء حديث العهد. أصبح الأمريكيون ينامون ساعات أقل فأقل كل ليلة خلال السنوات الأخيرة، بانخفاض ساعة كاملة منذ أربعينيات القرن الماضي، لتصل إلى 6 ساعات وثمان دقائق في الليلة الواحدة. يوصي مركز السيطرة على الأمراض المراهقين بالنوم من 8 إلى 10 ساعات، والبالغين من 7 إلى 9 ساعات – مما يجعلنا ، في المتوسط​​، أُمَّةٌ مَحرومَةٌ من النَّوم.

حوادث السيارات والأمراض، وتزايد خطر الإصابة بالخرف ومرض الزهايمر – لا يوجد توازن مع الآثار الضارة للحرمان من النوم. بينما نبني أنظمة لتعليم شبابنا وإدخالهم في معترك الحياة، هل يتناسب سلوكنا مع هدفنا؟

ضغوط الإنجاز و “وهم الموهبة”

لذلك ، نحن نقود قواربنا عكس التيار، وننجز رغماً عن أنفسنا وهنا تكمن المشكلة. في المنظمة غير الربحية التي أعمل بها وضمن مشروع الرياضي الجيد Good Athlete Project، أشرنا إلى ظاهرة أطلقنا عليها “وهم الموهبة” وهي ظاهرة تتمثل بحالة الفرد الذي ينجز بصورة ناجحة في حين يتجاهل حالته المتدهورة. يجد المتفوقون أنفسهم ينجزون بمستوى عالٍ، ومع ذلك قد لا يصلون أبداً إلى إمكاناتهم الكاملة لأنهم يكونون في الغالب في حالة متدهورة. هؤلاء المتفوقون هم الذين يقدمون النصح والوعظ بما يتبعونه من أساليب، وهم نفسهم الذين يصرون على أن النوم هو راحة وليس ضرورة.

تنشأ الميمات المجتمعية من هذه النماذج الخاطئة، وليس بالضرورة أن يكون أصحاب الإنجازات العالية هم الأكثر عرضة للمعاناة. إنهم المحرومون. إنهم الطلاب الصغار الذين يعانون من نقص الدعم الذين يأخذون هذه الكلمات على أنها مُسَلَّمات. هذه رسائل خطيرة تنتشر وهي قادمة من مصادر لا تشعر بثقل هذا الخطر.

أيها المعلمون، يرجى مشاركة أهمية النوم مع طلابكم. أيها المسؤولون، يرجى إنشاء أنظمة تسمح بفرص نوم كافية لكل من الطلاب والمعلمين. قد تعتمد قدرة طلابنا على الازدهار في بيئاتهم – وصحتهم ، وربما حتى حياتهم – تعتمد على ذلك.