أُحجية المشاركة الوالدية

عندما يتعلق الأمر بالمشاركة الوالدية، كيف تستطيع العائلة مساعدة الطالب على إيجاد سُبل النجاح

Integration

تم ترجمة هذه المقالة من النص الأصلي باللغة الإنجليزية “The Parental Involvement Puzzle”.
تاريخ النشر: 30 أكتوبر 2009
ترجمة: سلام معايعة
مراجعة وتدقيق: لارا الخطيب

إنها الساعة العاشرة من مساء يوم الخميس، كان ابنك طالب الصف الثامن يجلس أمام شاشة الكمبيوتر منذ ساعتين محاولاً التوصل إلى استنتاجات حول مقالة “To Kill a Mockingbird”.  تاريخ تسليم الواجب الذي عرف عنه منذ شهر الآن من المقرر أن يكون غداً صباحاً. 

قد يميل الآباء في مثل هذا الموقف – خاصة أولئك الذين اعتادوا المساعدة في إدارة الوقت والتنظيم والواجبات المنزلية عندما كان أطفالهم في المدرسة الابتدائية – إلى الانخراط بنصيحة أو مساعدة غير مطلوبة. ولكن وفقًا للبحث الذي نُشر في كتاب “العائلات والمدرسة والمراهقون “Families, School, and the Adolescent” وهو كتاب أعدته الأستاذة نانسي هيل في كلية الدراسات العليا للتعليم في جامعة هارفارد ، فإن الآباء الذين يرغبون في مساعدة أطفالهم في المرحلة الثانوية على البقاء على ذات المسار الأكاديمي، قد يحتاجون إلى تغيير الاستراتيجية.

تقول هيل وهي باحثة رائدة في مجال تربية الأطفال وإنجاز المراهقين ، “لكي تكون فعّالًا ، يجب أن تواكب استراتيجيات الآباء للمشاركة في تعليم أطفالهم التغيرات النمائية التي تحدث في المرحلة الإعدادية. كما يحتاجون أيضًا إلى معالجة الطبيعة المتغيرة للعلاقات بين الأسرة والمدرسة خاصة لأن البيئة المدرسية أصبحت أكبر وأكثر بيروقراطية “.
 

إن المشاركة الأكثر فائدة التي يمكن أن يحصل عليها الآباء ترتبط إلى حد كبير -كما ترى هيل- في التنشئة الاجتماعية الأكاديمية، والتي يعرّفها الباحثون على أنها ربط ما يتعلمه الأطفال في المدرسة بالأهداف والاهتمامات.

في دراسة سابقة ، تابعت هيل تقدم مجموعة من الطلاب من الصف السابع حتى الصف الحادي عشر ، مُتتبعة تأثير مشاركة الوالدين على متغيرات مثل السلوك والإنجاز والأهداف المهنية والتعليمية. كشفت تلك الدراسة عن نتائج غير متوقعة حيث وجدت أن جميع الطلاب الذين شارك آباؤهم بفاعلية في تعليمهم في الصف السابع كان لديهم أهداف وتطلعات أعلى في الصف الحادي عشر. وكان للآباء خريجي الجامعات تأثير أقوى على سلوك أبنائهم في المدرسة وعلاماتهم وهي المتطلبات الأساسية لمساعدة الطالب في الوصول إلى مبتغاه. بينما كان الآباء الذين لم يحصلوا على شهادات جامعية ناجحين في غرس أهداف السعي للوصول للأهداف، ولكن ليس في تحسين السلوك والإنجاز.

ترى هيل بإنه “بالنسبة للطلاب الذين حصل آباؤهم على شهادات جامعية ، فإن مشاركة أولياء أمورهم في الصف السابع حفز سلسلة من ردود الفعل التي حسنت سلوكهم المدرسي من وجهة نظر المعلمين في الصف الثامن ، مما أدى بدوره إلى زيادة علاماتهم ودرجات اختباراتهم في الصف التاسع”. “العلامات ودرجات الاختبار في الصف التاسع انعكست بشكل جميل على الأهداف المهنية والتعليمية”.

هذه الدراسة قادت هيل -وهي المختصة في المتغيرات في طرق التربية والتنشئة الاجتماعية عبر المجموعات العرقية والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية- إلى افتراض أن الآباء المتعلمين الجامعيين وغير الجامعيين يجب أن يتفاعلوا مع تعليم أطفالهم بطرق مختلفة نوعياً. تقول هيل: “النتائج جعلتني أشعر بالفضول”. “تساءلت عما يفعله هؤلاء الآباء. إذا تمكنا من تحديد الاستراتيجيات الأكثر فاعليةً لمشاركة الوالدين في المرحلتين الإعدادية والثانوية ، فقد تضع المدارس برامج وسياسات من شأنها أن توفر لجميع الآباء أدوات أفضل لمساعدة أطفالهم على النجاح”.

لقد تمّ توثيق الانخفاض الشامل في مستوى الإنجاز في المرحلة الإعدادية بشكل جيد، كما أن التحديات والصعوبات المرافقة للتربية وتدريس الطلاب الذي يطورون شعورهم بالاستقلالية والحرية أدت إلى مجموعة كبيرة من الأبحاث. ولكن لم تكن هناك حتى الآن مراجعة منهجية للدراسات الحالية لتحديد أنواع مشاركة الوالدين التي تحقق أفضل النتائج لإنجازات المراهقين. لذلك قامت هيل وطالبة الدكتوراه ديانا تايسون بعمل تحليل بعدي لأكثر من 50 دراسة تناولت موضوع انجاز المراهقين. كما تقول هيل فإن “جمال التحليل البعدي يرتبط بامكانية النظر إلى جميع البحوث الحالية وحساب درجة قوة العلاقة بين متغير وآخر، آخذين بعين الاعتبار متغيرات عديدة مثل حجم العينة ومكان الدراسة ونوعية الدراسة وعوامل أُخرى كذلك”. نُشرت نتائج هذه الدراسة في ربيع عام 2009 في مجلة Developmental Psychology.

افترضت هيل وتايسون أن مشاركة الوالدين التي تعزز فهم الطلاب لعواقب وأهداف أفعالهم دون المساس باحساسهم المتنامي بالاستقلالية سيكون له الأثر الإيجابي الأقوى بنتائج الإنجاز. ترى الباحثتان بأن مشاركة الوالدين في المدرسة والمنزل – مثل المساعدة في مقال عن To Kill a Mockingbird – سيكون له تأثير أقل. وفي الواقع ، هذا ما أظهرته أبحاثهم.

تقول هيل: “وجدنا أن الأنشطة المدرسية التي يشارك فيها الوالدان ، مثل التطوع أو المشاركة في اجتماعات أولياء الأمور والمعلمين، كانت لها علاقة متواضعة ولكنها إيجابية بالإنجاز”. “وبالمثل ، فإن الأنشطة التي يقودها الآباء خارج المدرسة، مثل اصطحاب الأطفال إلى المكتبة أو المتاحف، لها أيضًا علاقة إيجابية إلى حد ما. على عكس المساعدة في الواجبات المنزلية ، والتي كان لها في الواقع تأثير سلبي على الإنجاز”.

إن المشاركة الأكثر فعالية التي يمكن أن يحصل عليها الآباء ترتبط إلى حدّ بعيد ، وفقًا لتحليل هيل ، بالتنشئة الاجتماعية الأكاديمية، والتي يعرّفها الباحثون على أنها ربط ما يتعلمه الأطفال في المدرسة بالأهداف والاهتمامات. تقول هيل: “بعض الآباء أفضل من غيرهم في مساعدة أطفالهم على الربط بين التحصيل في المرحلة الإعدادية وخطط ما بعد المرحلة الثانوية”. “تُظهر دراستنا أن مساعدة الأطفال على فهم قيمة وفائدة التعليم يرتبط جيدًا بمستويات الإنجاز الأعلى في المرحلتين الإعدادية والثانوية”.

تشمل التنشئة الاجتماعية الأكاديمية وضع توقعات حول الواجبات المنزلية والتنظيم والعلامات بطريقة تمنح الطلاب فرصة لتحمل مسؤولية نجاحهم. أجرت الباحثتان مجموعات بؤرية (مجموعات تركيز) Focus group بالتزامن مع التحليل البعدي، تحدث بعض الآباء عن اعتقادهم بأن الأطفال يتعلمون من الفشل. تقول هيل: “نحن نسميها استقلال السقالات Scaffolding independent”. “لا تقفز وتساعد أطفالك على الفور. دعهم يحاولون إيجاد حلولهم الخاصة أولاً. إذا لم تحضر غذائهم المنسي إلى المدرسة اليوم ، فمن المرجح أن يتذكروا إحضاره غدًا.”

سيتم الانتهاء من تحليل بيانات المجموعات البؤرية في العام المقبل ، لكن هيل قد سجلت بالفعل عدة استراتيجيات بارزة. وقالت: “ذكر أولياء الأمور في عدة مجموعات تسجيل أطفالهم في أنشطة خارج المنهج كوسيلة لدعم إدارة الوقت”. “إذا كان لديهم مباراة كرة قدم مساء الثلاثاء ، يدرك الطلاب بأنهم سوف يحتاجون إلى إنهاء واجباتهم المدرسية يوم الأربعاء في وقت مبكر.” كما أذهلها عدد الآباء الذين قالوا إنهم يطلبون من أطفالهم إكمال واجبات مدرسية إضافية، إما من خلال برامج الإثراء الأكاديمي، أو المعسكرات، أو الدروس الخصوصية، أو استبدال وقت الكمبيوتر والتلفزيون بالقراءة. تقول هيل: “هؤلاء الآباء ينظمون أوقات فراغ أطفالهم بطريقة هادفة ومدفوعة بالأهداف”.

فيما يتعلق بإجراءات السياسة التي قد تعزز تأثير جهود الوالدين، يشير البحث الذي أجرته هيل وغيرها من مؤلفي كتاب “العائلات والمدارس والمراهقين Families, Schools, and the Adolescent” إلى أهمية تعزيز وتوسيع محتوى التواصل بين أولياء الأمور والمدرسة. تقول هيل: “No Child Left Behind تحدث عن مشاركة الوالدين من حيث التواصل والمساءلة”. “ولكن ، في كثير من الأحيان ، يكون التواصل بين المعلم وأولياء الأمور مدفوعًا بالمشكلة. إذا كان بإمكان الآباء تلقي مزيد من المعلومات حول نقاط القوة لدى أطفالهم وحول محتوى المناهج الدراسية، فسوف يكونون مجهزين بشكل أفضل لتقديم إرشادات فعالة وتعزيز التعلم في الفصل الدراسي في مواقف العالم الحقيقي”.

يجب أن يدرك الآباء – كما تقول هيل – خاصةً أولئك الذين لم يلتحقوا بالتعليم الجامعي، أن مساقات المرحلة الإعدادية يمكن أن تفتح أو تحصر خيارات أطفالهم بشكل كبير. “من أجل تدريب أطفالهم بشكل فعال ، يحتاج الآباء إلى فهم قواعد اللعبة.”

أكدت مجموعات التركيز في الدراسة على نقطة أساسية أخرى يجب على الآباء وقادة المدارس أخذها في الاعتبار. تقول هيل: “إنها أسطورة أن طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية لا يريدون أن يشارك والديهم في حياتهم المدرسية”. “لا يريد المراهقون بالضرورة من والديهم أن يتفقدوا حقائب كتبهم أو يرافقوهم في الرحلات المدرسية، ولكن تحدث معهم عن نقاط قوتهم وإمكاناتهم وأهدافهم ، وسترى وجوههم تضيء.”