المناخ بتغير وانا ما تغيرت…. من وين لازم أبدا؟

Palestinian participants at teaching climate change conference at Harvard

بقلم: موسى أبو حديد – مدير مدرسة – فلسطين

December 12, 2023

عدت مؤخرًا من زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، تم تنظيمها من خلال منحة مقدمة من MEPLI وبنك فلسطين، بخلية التفكير حول التعليم والتغير المناخي في جامعة هارفارد. هذا البرنامج الذي جمع مجموعة متنوعة من التربويين من جميع أنحاء العالم، ناقش بعمق قضية “التغير المناخي”، التي أصبحت تحظى بأهمية عالمية، سواء في الدول المتقدمة أو النامية. يعتبر هذا الموضوع حيويًا بما أنه يؤثر في حياة الكثيرين حول العالم، والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا التصدي له وتضمينه كمنهج داخل مدارسنا؟

كانت هذه الزيارة تجربة مؤثرة للغاية، حيث فتحت لي الفرصة لاكتساب تجارب التربويين من مختلف الثقافات في التعامل مع قضية التغير المناخي. ولقد أسهمت في إثراء فهمي حول كيفية تدريس هذا الموضوع داخل الفصول الدراسية. تمكنت خلال هذه الزيارة من المشاركة في نقاشات هامة حول فعالية تعليم التغير المناخي وتصميم الخطط الفعّالة لتدريسه ضمن السياق التعليمي. تركت هذه الزيارة أثرًا عميقًا في نفسي، وأجابت على السؤال الأهم والأساسي الذي كان يشغل بالي قبل المشاركة: “كيف يمكننا البدء في تعليم التغير المناخي داخل مدارسنا؟”.

وفقًا للأمم المتحدة، يعد التعليم عنصرًا أساسيًا في معالجة قضية تغير المناخ، ويساعد في تحسين الوعي بالتغير المناخي وتشجيع الناس على اتخاذ إجراءات للحد من تأثيراته. وتسند اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) المسؤولية إلى الأطراف في الاتفاقية للقيام بحملات تثقيفية وحملات توعية عامة بشأن تغير المناخ، فلا يكاد أي مؤتمر للأطراف منذ مؤتمر باريس للمناخ حتى COP28 لا يتطرق في قراراته الى دعوة الدول الأطراف إلى تعزيز تعليم التغير المناخي في جميع مستويات التعليم، بما في ذلك التعليم العالي. مؤكدا على أهمية تعليم التغير المناخي للجميع، بغض النظر عن أعمارهم أو مستويات تعليمهم. وذلك تأكيدا على دور التعليم والمعلم في احداث تغير نحو التغير المناخي والتي لم تتمكن الحكومات على احداثه كما تظهر العديد من تقارير الأمم المتحدة حتى اللحظة.

إن المعلم يشكل الركيزة الأساسية لنجاح العملية التعليمية، حيث يتسم بدوره الملهم والقدوة التي تنير دروب الطفل نحو الفهم والتطور. المعلم ليس مجرد حاضن للمعرفة، بل يتجاوز ذلك ليكون الشخص الذي ينقل الروح والفهم للأجيال الصاعدة. في رحلتهم التعليمية، يكون المعلم قدوة يحتذى بها، يبني جسوراً توجه الأحلام، ويُعلم كيفية الاهتمام بكوكبنا.

تأتي أهمية تعليم قضية التغير المناخي كحاجة ملحة في ظل التحديات البيئية المتزايدة. لذا، يجب أن يكون تعليم التغير المناخي جزءًا لا يتجزأ من رحلة التربية، وذلك من خلال بناء جيل قادر على خلق تأثير إيجابي كبير أو حتى صغير يمكن أن يحمل أثرًا هائلًا في المستقبل، على غرار أثر الفراشة.

وحتى نحدد استراتيجية تعليم فعّالة حول قضية التغير المناخي، يجب علينا أن نتفحص أمورًا أساسية تشكل ركيزة أولى لرسم خارطة طريق طويلة ومستدامة. كقادة تربويين في موضوع تعليم التغير المناخي، يجب علينا أن ندرك هذه الأمور الهامة التي تشكل أساسًا أوليًا لاستراتيجية تعليمية فاعلة، وهي:

  • أهمية جعل المشاريع التربوية المتعلقة بموضوع التغير المناخي أساليب وأنماط حياة:

كقادة تربويين، علينا الأخذ بعين الاعتبار أهمية جعل المشاريع التربوية أساليب حياة للطلاب والمجتمع المدرسي. فكثير من المشاريع التي تنفذ في المدارس، مثل تجميل المساحات الخضراء المدرسية وإعادة التدوير، تنتهي بمجرد انتهاء المشروع أو التمويل المخصص له. وهذا يحرم الطلاب من الاستفادة الكاملة من هذه المشاريع، ويفقدهم الدافع للاستمرار في تطبيقها بعد انتهاء المشروع.

من هنا، تأتي أهمية جعل هذه المشاريع أساليب حياة للطلاب والمجتمع المدرسي. وذلك من خلال:

  • دمج هذه المشاريع في المناهج الدراسية: يمكن للمعلمين دمج محتوى هذه المشاريع في المناهج الدراسية، بحيث يتعلم الطلاب مبادئها وتطبيقاتها بشكل مستمر.
  • جعل هذه المشاريع جزءًا من الأنشطة والفعاليات المدرسية: يمكن للمدرسة تنظيم أنشطة وفعاليات تركز على هذه المشاريع، بحيث تكون جزءًا من الحياة المدرسية اليومية.
  • تشجيع الطلاب وأولياء الأمور على المشاركة في هذه المشاريع: يمكن للمدرسة تشجيع الطلاب وأولياء الأمور على المشاركة في هذه المشاريع، بحيث يصبحوا شركاء في تحقيق أهدافها.

وذلك انطلاقًا من أن الطفل كالإسفنج يمتص كل المعارف والمهارات التي يتلقاها في المدرسة، وينقلها لبيته وأسرته. فإذا ما نشأ الطفل على تطبيق مبادئ الاستدامة، فإنه سينقل هذه المبادئ إلى أسرته ومجتمعه، مما سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

  • أهمية المعرفة العميقة بالمشكلة:

كقادة تربويين، علينا الأخذ بعين الاعتبار أهمية المعرفة العميقة بالمشكلة لدى الطلاب. فكثير من المفاهيم والمصطلحات البيئية، مثل ثاني أكسيد الكربون والاحتباس الحراري، وحلقات التغذية الراجعة، وبصمة الكربون، والأمن الغذائي، والأمن المائي، وغيرها، هي مفاهيم صعبة ومركبة. ولا يمكن للطلاب فهمها بشكل كامل إلا إذا تلقوا تعليمًا جيدًا عنها.

من هنا، تأتي أهمية المعرفة العميقة بالمشكلة لدى الطلاب. وذلك من خلال:

  • دمج هذه المفاهيم والمصطلحات في المناهج الدراسية: يمكن للمعلمين دمج محتوى هذه المفاهيم والمصطلحات في المناهج الدراسية، بحيث يتعلم الطلاب عنها بشكل متدرج ومنسق.
  • استخدام طرق تدريس فعالة: يمكن للمعلمين استخدام طرق تدريس فعالة، مثل المناقشة والبحث والمشاريع، لمساعدة الطلاب على استيعاب هذه المفاهيم والمصطلحات بشكل عميق.
  • توفير الموارد التعليمية المناسبة: يمكن للمعلمين توفير الموارد التعليمية المناسبة، مثل الكتب والمواقع الإلكترونية والمواد التعليمية الأخرى، لمساعدة الطلاب على تعلم هذه المفاهيم والمصطلحات.

وذلك بهدف فتح آفاق إدراك ووعي أكبر لدى الطالب في مراحل دراسية مختلفة، وبما يتناسب مع قدراته ومستوى فهمه. من خلال المعرفة العميقة بالمشكلة، يمكن للطلاب أن يصبحوا أكثر وعيا بالتحديات البيئية التي تواجه العالم، وأكثر استعدادًا للمشاركة في إيجاد الحلول لها.

  • تحقيق التكامل في المنهاج:

يمكن أن يساعد التكامل في المناهج التعليمية في تحقيق هذا الهدف. فالتكامل في المناهج التعليمية يعني دمج مواضيع مختلفة من المناهج الدراسية معًا، بحيث يتم ربطها ببعضها البعض وتقديمها للطلاب بشكل مترابط. وتزخر الاستراتيجيات التعليمية الحديثة بوسائل متعددة يمكن استخدامها لتحقيق التكامل في المناهج التعليمية، مثل استراتيجية STEM يمكن أيضًا لهذه الاستراتيجيات أن تلعب دورًا حيويًا في تكامل مواضيع التغير المناخي في المناهج الدراسية بشكل شامل، من خلال إيجاد توازن مثالي بين المعلومات العلمية والآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا التحدي.

هناك العديد من الاستراتيجيات التعليمية الحديثة التي يمكن استخدامها للتكامل في المناهج التعليمية، مثل:

  • التعلم القائم على المشاريع: يمكن أن يُستخدم التعلم القائم على المشاريع لربط مواضيع مختلفة من المناهج الدراسية معًا، بحيث يُطلب من الطلاب العمل على مشروع مشترك يتطلب منهم تطبيق المعرفة من مواد مختلفة.
  • التعلم القائم على المشكلة: يمكن أن يُستخدم التعلم القائم على المشكلة لربط مواضيع مختلفة من المناهج الدراسية معًا، بحيث يُطلب من الطلاب حل مشكلة واقعية تتطلب منهم تطبيق المعرفة من مواد مختلفة.
  • التعلم القائم على الفريق: يمكن أن يُستخدم التعلم القائم على الفريق لربط مواضيع مختلفة من المناهج الدراسية معًا، بحيث يُطلب من الطلاب العمل معًا في مجموعات لتطبيق المعرفة من مواد مختلفة.

مثال على التكامل في المناهج التعليمية باستراتيجيات مختلفة لموضوع التغير المناخي:

يمكن أن يكون مثالًا على التكامل في المناهج التعليمية لموضوع التغير المناخي، مشروع يربط أساسيات الزراعة والنباتات في مادة العلوم، وأساسيات إنشاء الأسمدة العضوية (كمبوست) في مادة التكنولوجيا، ومفاهيم الكميات وغيرها في منهاج الرياضيات.

في هذا المشروع، يمكن أن يُطلب من الطلاب دراسة الزراعة المائية، وهي طريقة زراعة النباتات باستخدام الماء بدلاً من التربة. ويمكن للطلاب استخدام المعرفة من مواد العلوم والتكنولوجيا والرياضيات لفهم كيفية عمل الزراعة المائية، وآثارها على أمن الماء والغذاء وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو.

  • تشجيع العمل الجماعي والتفكير الناقد:

في عالم متسارع ومتزايدة تحدياته، يكمن دور حيوي لتشجيع العمل الجماعي والتفكير الناقد بين طلابنا، فهم يشكلون مستقبلنا وحلقة الوصل الرئيسية في مواجهة تحديات عالمية حول التغير المناخي. في هذا السياق، تمتلك الأنشطة التي تعزز التفكير الناقد بعدة أشكال قائمة على التفاعل والتعاون. ومن الأمثلة التي يمكن الاستفادة منها في تعليم موضوع التغير المناخي:

  1. مشاريع البحث الجماعي:

تتجلى روح التعاون والتفكير الناقد في مشاريع البحث الجماعي، حيث يلتئم الطلاب ليس فقط لاكتساب المعرفة، بل لاستكشاف الحقائق والآثار المختلفة المترتبة عن تغير المناخ. يتيح لهم ذلك فرصة التحليل النقدي وتبادل الأفكار حول الحلول الممكنة واتخاذ الاجراء أو ابتكار الحل لمشكلة ما مرتبطة بتغير المناخ.

  1. تحليل سيناريوهات:

تشجيع الطلاب على تحليل سيناريوهات متعددة لتغير المناخ والبحث عن حلول لها، كمثال سيناريو ارتفاع درجة حرارة المحيطات وأثره على الذوبان الثلجي في القطب الشمالي وارتباط ذلك في الأمن الغذائي للعالم.

إن تشجيع الطلاب على التفكير الناقد ليس مجرد تعزيز لتطويرهم الشخصي، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل أكثر استدامة وفهم أعمق لقضايا التغير المناخي. في هذا الإطار، يصبح التفكير الناقد أداة قوية تساهم في صقل أفكار الشباب وتوجيهها نحو حلول مستدامة ومبتكرة.

  • اتخذ اجراء من واقع الحياة اليومية للطالب:

يمكن أن يساعد ربط المعلومات حول التغير المناخي التي يتعلمها الطلاب في المدرسة بالحياة اليومية للطلاب وبيئتهم المحلية أو العالمية، في تعزيز فهمهم للتأثيرات العميقة لهذه القضية على مجتمعاتهم أو المجتمعات العالمية. كما يمكن أن يساعد في تحفيز الطلاب لاتخاذ إجراءات فعّالة والمشاركة في الحلول البيئية.

أمثلة على الإجراءات التي يمكن للطلاب اتخاذها

  • توفير الكهرباء لشحن الأجهزة الذكية: يمكن للطلاب اتخاذ إجراءات بسيطة لتوفير الكهرباء، مثل إطفاء الأنوار عند مغادرة الغرفة، أو استخدام أجهزة كهربائية موفرة للطاقة. كما يمكنهم التفكير في حلول أكثر ابتكارًا، مثل إنتاج أو حصد طاقة متجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح او الطاقة الحركية ومن ثم تخزينها في بطاريات معاد تدويرها من أجهزة قديمة ليتم استخدام الطاقة في شحن أجهزتهم الذكية لاحقا، وبذلك يكون الطالب قد قدم اجراء وحل لمشكلة تحدث أثر في البيئة.
  • مكافحة التصحر: يمكن للطلاب المساهمة في مكافحة التصحر من خلال زراعة الأشجار، أو إعادة تدوير النفايات، أو الحد من استخدام المياه. كما يمكنهم التفكير في حلول أكثر ابتكارًا، مثل تصميم جهاز يشتغل بالطاقة المتجددة ويعمل على التقاط الرطوبة من الجو وتكثيفها لتحويلها لماء صالح للشرب أو الري.

يمكن أن يساعد اتخاذ الإجراءات من قبل الطلاب في بناء جيل ملتزم بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية. عندما يتعلم الطلاب عن التغير المناخي ويرون كيف يمكنهم المساهمة في حل هذه المشكلة، فإنهم يصبحون أكثر استعدادًا لاتخاذ إجراءات في المستقبل.

كما يمكن أن يساعد اتخاذ الإجراءات من قبل الطلاب في إحداث فرق حقيقي في العالم. عندما يعمل الطلاب معًا، يمكنهم إحداث تغيير إيجابي في البيئة المحلية والعالمية.

في ختام هذا الموضوع، يمكن القول أن تعليم الطلاب عن التغير المناخي هو أمر أساسي لإعدادهم للمستقبل. من خلال المعرفة العميقة بالمشكلة، ومهارات التفكير الناقد، والاستعداد لاتخاذ الإجراءات، وتجهيز طلاب قادة في مجال الاستدامة. ولكي يكون تعليم التغير المناخي فعالًا، يجب إعادة التفكير في الطريقة التي ندرس بها، بحيث يصبح متكاملا شاملا وتطبيقيًا وملهمًا.

من خلال التركيز على هذه المبادئ، يمكننا إعداد جيل من الطلاب الذين سيكونون مستعدين لمواجهة تحديات التغير المناخي.

وفي الختام، أدعو جميع قادة التعليم للتسجيل في زمالة مبادرة الشرق الأوسط للتعليم المهني (MEPLI)، وهي برنامج مدمج لمدة عام يوفر منحًا للالتحاق ببرامج التعليم المهني في كلية هارفارد للدراسات العليا. وتهدف هذه المنحة لبناء مجتمع لمعلمي المعلمين لتبادل المعرفة والخبرة والتجربة، والتي يستطيعون من خلالها ابتكار ونشر الممارسات الفضلى لتعزيز قوة التدريس في المجتمعات التي يخدمون فيها.

رابط التسجيل: https://mepli.gse.harvard.edu/fellowship-overview-arabic-page/

المراجع وروابط ذات صلة:

https://www.cop28.com/en/

https://www.elbalad.news/5430432

 التعليم عنصر أساسي لمعالجة تغير المناخ | الأمم المتحدة (un.org)

https://the.akdn/en/resources-media/whats-new/our-stories/from-the-classroom-to-the-community-teachers-as-climate-change-leaders